** إلى أبي **

إلى أبي رحمه الله





فجعوني فيك يا والدي فجراً *** وقالوا مَاتَ أبوكَ ولكَ العمرْ



ففزعتُ من خبرٍ أقضَّ مضْجَعِي *** وصَرخْتُ من ألمي ودَمْعي مُنهمرْ



الويلُ لكَ ماذا تقولُ فوَالدي *** قاربَ للشِّفاءِ ولمْ يكُنْ يحْتَضِرْ



فقالَ أمرَ اللهِ لامردَّ له ُ*** فلا تجزَع .. هذا قضاءً وقـــَدَرْ



فكأنني وقعْتُ من على جَبلٍ *** وكأنَّ عيني بُركاناً مُنصَهِرْ



وأهتزَّ جسمي وارتعدتْ مفاصِلي *** وانعقدَ لساني وزاغ البَصَرْ



فـقمتُ مُهَرْوِلاً إليكَ لا أدري *** لمنْ أقولُ وبمن أسْـتجرْ



فمالي سِوَى اللهَ حَسْبي *** بهِ أستجيرُ فـَما أنا إلاَّ بشرْ



ولمَّا دخلتُ عليكَ وجدتكَ نائماً *** فخارتْ قواي وقلبي انفطرْ



فقبلت رأسك الطـَّاهر وبللتْ *** أدْمُعي وجنتيك وبللتِ الشَّعرْ



وضممتك الى صدري ويدايَ تُعـِيقـُني *** لا أكادُ أرفعُها من شدَّة الخَدَرْ



وقبَّلت يدكَ الحَنونةَ فطالما مُدَّت *** إليَّ بخيرِها في الصَّغر والكِبرْ



ودفنتُ رأسِي بينَ قدَميك لعلـَّني *** أحْظى بلحظاتٍ من السُّكونِ فأصْطبرْ



وقبَّلتها يُمْنَى ويُسْرىَ وكلهُّا *** وكاحِلها وباطِنها والظَّهرْ



ونهضْتُ أدعو لكَ اللهَ برحمةٍ *** وظللْت أدعو لكَ وحدي أنتظرْ



حتى أتتِ الجُموع وصِرنا كلّنا *** ندعوا لك وقلوبُنا تنفطرْ



وحملناك سريعاً إلى بيتِ أخي *** نضمد جراح قلوبنا بالصبرْ



وغسَّلناك بِماءٍ وحَنوطٍ وسِدرٍ*** وعَطـَّرناكَ بِعُودٍ ومِسكٍ وزهرْ



وكفَّنَّاك في كفنٍ أبيضٍ *** كقلبكِ الأبيضِ يا أغلىَ البشرْ



وحَمَلناك على الأكتافِ جنازةً *** وحملتك وأنا قلبي يَعتصِرْ



إلى حرمِ الله سِرنا نـُصليّ *** عليكَ الجَنازةَ بعدَ العصرْ



ويالَ الناسَ ويالَ الجمعَ كلـَّهموا *** تسارعوا لِحمْلِكَ فهم كُثُرْ



وعند المقابرِ وقفتُ أبكي *** فبيدي آحْمِلكَ إلى ذاكَ القبرْ



وسجَّينَاكَ على جانبكَ الأيمن *** وكشفتُ عن وجْهك فبانَ القمرْ



وقبَّلتُ رأسكَ مرةً أخرىَ *** فهي الأخيرةَ مِنْ بَاقِي العمرْ



هذا القـَبر وهذا أبي فيهِ *** فمتى أكون أنا يوماً في القبرْ



يارب إرحم والداي واقسمْ لهمْ *** مِن النـَّعيمِ المقيمِ جَنـَّاتٍ ونهرْ



وأبدلهم بأهلٍ خيراً منـَّنا *** واجعل دارهم خير من دنيا أخرْ



واجبرْ كسْرنا وهـَدِّئ روعَنا *** وارْحَمْ ضَعفنا وألهِمنا الصبرْ



أنا الإبنُ المدلَّلُ عِنـْدَ والدِي *** فقدْ كُنتُ الصَّغيرَ وإنْ زادَ العُمرْ



ذّهَبَ الدَّلالُ وذهبَ الحنانُ وولىَّ *** وذهَبَ الشَّباب وابيضَّ الشَّعرْ



أبي ..ما عُدْتُ بَعْدكَ ضاحكاً *** فرُوحِي قدْ اسْتـُلـَّتْ مِنَ الصَّدُرْ

*** همسات القلوب ***