ماذا صنع الخصام .. في ليلة القدر؟
حدث أن تخاصم رجلان فكانت خصومتهما سببا لرفع معرفة ليلة القدر .. فكيف كان ذلك؟ <عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة> إن ليلة القدر لم ترفع بسبب الملاحاة، وأما رفع تحديد معرفتها بدليل قوله: "التمسوها". وينبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن رفعها يكون خيرا بقوله "وعسى أن يكون خيرا لكم" يريد بذلك بيان أن إخفاءها يستدعي قيام الشهر كله أو العشر الأواخر كلها بخلاف ما لو تحدد وقتها. ومعنى تلاحى رجلان: أي تخاصما وتنازعا، وفي رواية أخرى: "فجاء رجلان مختصمان معهما الشيطان". وذكر الإمام الحافظ ابن حجر في شرحه ما استنبطه السبكي الكبير من هذه القصة: استحباب كتمان ليلة القدر لمن رآها. قال: ووجه الدلالة أن الله قدر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخبر كله فيما قدر له، فيستحب اتباعه في ذلك. قال: والحكمة فيه أنها كرامة ينبغي كتمانها بلا خلاف بين أهل الطريق من جهة رؤية النفس فلا يأمن السلب، ومن جهة ألا يأمن الرياء، ومن جهة الأدب فلا يتشاغل عن الشكر لله بالنظر إليها وذكرها للناس، ومن جهة أنه لا يأمن الحسد فيوقع غيره في المحظور، ويستأنس له. يقول يعقوب عليه السلام: "يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك". وإذا كانت الملاحاة سببا لرفع تعيينها، والخصومات تمنع الخير، فإن واجب المسلمين أن يكونوا متحابين متآلفين يحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، ومن كانت بينه وبين أخيه المسلم خصومة فليبادر بالصلح، ومن كانت بينه وبين أحد أرحامه قطيعة فعليه أن يقوم بصلة رحمه، وألا يترك الناس للخصومات تأكل العلاقات وتدمر وشائج الود والألفة فيما بينهم، فإن الخير يرتفع من الأرض بسبب الخصومات والخلافات، وأن الخير والبركة تنتشر في الأرض حين يتراحم العباد ويتآلفون "الراحمون يرحمهم الرحمن".