ندوة عن الإسلام وحقوق الإنسان
لأنها دخلت في رحاب الإنسان محبة وتسامحاً وفرحاً، ولأن جمهوراً واسعاً جداً أمضى ثلاث ساعات وأكثر مستمتعاً بحوار رفيع يسبر كنه الكون والإنسان ويجلو صدأ بعض القلوب والأذهان، أودّ أن أقتطف بعض العينات مما أبهج نفسي وأسعد روحي في الجلسة السادسة من جلسات الندوة المنعقدة على شرف احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية تحت عنوان (الإسلام وحقوق الإنسان). وقد أدار الجلسة الدكتور محمود عكام وداخل فيها مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين الحسون والشيخ سعيد رمضان البوطي ونيافة مطران السريان الأرثوذكس يوحنّا إبراهيم. وأبدأ بما قاله الشيخ البوطي جواباً على سؤال عن قتل المرتد: (لم أجد في المصادر الإسلامية ما يشير إلى قتل المرتد، وخصوصاً إذا كان الارتداد ذاتياً داخل النفس، أي ممارسة للحرية الشخصية، التي تقف عند حدود الآخر وحريته. أما إذا كان المرتد صاحب دعوى مضادة وأخذ يستخدم لغاياته العنف والعدوان فالوضع عندئذ يختلف.
وفي ردّه على سؤال تعقيباً على مداخلة نيافة المطران يوحنا إبراهيم، وعما إذا كان يجوز للمسلم أن يبدأ زميلته أو زميله المسيحيين بالسلام (المثال مأخوذ من الجامعة)، قال: ولماذا لا يبدأ؟ وما المانع؟ أليس في ذلك تكريس للأخلاق الإنسانية النبيلة؟
أما في رده على العامل المسلم الذي عمل في ترميم كنيسة وصلى فيها كلما أدركته الصلاة فقد قال: قيام البناء يستوجب الترميم، والصلاة جائزة بكل تأكيد، واستشهد بحادثة رواها عن الشيخ الدمشقي العلامة مصطفى الغلاييني الذي عدّه بمصاف الأولياء والصالحين، والحادثة أن الشيخ الغلاييني كان في جولة في ريف دمشق، وقد مرّ بدير في قطنا فاستضافه القيمون على الدير وأكرموه طعاماً وشراباً وحفاوة.. وقد أدركته الصلاة، فاستأذن مضيفيه أن يصلي فكان له ما أراد من ماء للوضوء وأردية تفرش للصلاة. ولدى البدء هرع بعض أصحابه وحمل بعض الأردية وسعى لتغطية صور السيد المسيح والسيدة العذراء. فما كان من الشيخ الغلاييني إلا أن نبّه ذلك الرجل إلى التوقف بقوله: يا هذا دعك من الصور واهتم بالمصوّر، ثم كيف تسمح لك نفسك وأخلاقك أن تقابل جميل فعل هؤلاء بهذا التصرف الفظ؟!
المطران يوحنا إبراهيم الذي استفاض في شرح العلاقة بن المسلمين والمسيحيين مستنداً إلى كم كبير من آيات القرآن الكريم جاءه سؤال فيه شيء من الدعابة التي لا تخلو من خبث، إذ سأل السائل: ما قول نيافة المطران بالآية القرآنية التي تقول: (إن الدين عند الله الإسلامُ) (آل عمران /19)، وكان أن ضجت القاعة بالابتسام والضحكات، فكان رد نيافة المطران اللبق، إنّ جوابي يكمن في هذه الابتسامات!
ـ ومن الأسئلة التي توهم السائل أنه سيحرج الشيخ محمود عكام الذي كان يخاطب الحضور بـ أيتها الأخوات.. أيها الإخوة.. السؤال التالي: كيف تبدأ بمخاطبة الإناث والقرآن الكريم لم يبدأ إلا بالذكور، فهو يقول في كثير من المواضع: أيها المؤمنون والمؤمنات. وقد علق على السؤال الشيخ إبراهيم السلقيني ممازحاً: لعله يريد استمالة النساء إلى جانبه، فرد الدكتور عكام على الفور: وهل تريدني يا شيخ إبراهيم أن أستميل الذكور؟! ودعم رأيه بآية قرآنية وبالحديث الشريف الذي يقول: (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهنّ إلا لئيم).
وأما السؤال الذي ظل دونما جواب، أو كان جوابه عمومياً فهو: كيف لنا أن نفعّل الإسلام؟ وأين مكمن علة التخلف أهي في طبيعة الخطاب اليوم أم في غير ذلك؟ وكان الدكتور الحسون مفتي الجمهورية قد قدم مداخلة شكر فيها الحاضرين مداخلين ومستمعين، وقال: إن العلة تكمن فينا، لقد هدرنا حقوقنا وفرطنا بقيمنا فتطاول علينا الناس، وكان بذلك يشير إلى حال البلاد العربية والإسلامية حيال الطغيان الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، هؤلاء الذين يمتلكون القنابل الذرية ويحرّمونها على غيرهم ليمارسوا إرهابهم الأكبر دونما رادع، مشيراً إلى أن الإسلام أبعد ما يكون عن الإرهاب. ومعروفة وصايا الرسول والخلفاء الراشدين إلى الجند وقادتهم. واختتم الدكتور العكام الندوة بإشارة مرحة إلى تجاوز الدكتور الحسون حدود الزمن المقرّر لمداخلته، فقال: ما العمل؟ هو أعلى مني مرتبة!