أتعرفون "الجُرَذْ"؟، ذاك الحيوان ذو الذيل الطويل، والذي يتكاثر قرب حظائر الدواجن والماعز؟.. إنه نوعٌ من أنواع "الفأر" لكن بحجمٍ أكبر، أتمنى لو أنه لم يُصادِفكُم ليلةً.. فأنتم لا تعلمون كم سِرُّه خطير!
يا لها من مقدمة "مقززة"..أليس كذلك؟ أثِق تماماً أنها كذلك فاعذرني يا صاحبي فأنا مُضطرَّةٌ لطرحِها الآن لغرابة الحكاية..
ذات مساء دقَّت إحدى النساء باب "مريم"، إنها خالتُها: "أهلاً بكِ يا خالة".. لم تنبس الخالةُ ببنت شفة وبدأت تلملم أشياءً عن الأرض.. تُراها ماذا تلُمّ؟ يا إلهي.. إنها تلمّ "الجِرْذَان" في كيسٍ وتربطه، "تُبحلِقُ مريم بخالتِها وقد عُقِد لسانُها.. ماذا الآن؟ تذهب للمطبخ!! تفكُّ عقدةَ الكيس وتضع "الجِرْذانَ" في قِدرٍ على النار وتُحرَّك بعد أن قامت بحشو بطونِها بالأَرز.. ثم تحضر خبزاً "وتفتّه" وتسكب عليه من مرق "الجِرْذَان"، ربَّاه إنها تفعل شيئاً كما لو أنها تطبخ "الفتَّة بالدَّجاج" غَرَفَتْ أخيراً الجِرْذَانَ بعد نضجها ووضعتهم وسط صينية "الفتّ"..
تقدّمت الخالةُ من "مريم" تحمل الصينية.. "تعالَي كُلي"، فُجِعت "مريم"!! كيف آكل؟! إنها جِرذَان!!، وتحت ضغط الخالة... أَكَلَتْ "مريم".. ومن بعدها بدأت "مريم" تلومُ نفسَها.."يا لغبائي.. آكُلُ خَبَثَاً ونجاسة؟! كم أنا حمقاء.."..
غريب.. بل أمرٌ يدعو للاشمئزاز والنفور وأكثر.. أشعر بشعورِك تماماً يا صاحبْ.. لذا لن أُطيلَ عليك أكثر فذاك ليس سوى "كابوس"..
تعذبلت "مريم" من الشيطان الرجيم وتفلت شمالها، بعد أن تحسَّست فمَها ووجدتْه نظيفاً لا يحمل أثراً.. لكن بالها لم يهدأ وسريرتها لم تستقر..
أسرعت "مريم" تبحث عن تفسيرٍ لذاك الحلم المزعج، وسرعان ما وجدت "سِحْراً" يُقيِّدها!!
ذهبت "مريم" لأحد الشيوخ الرَّاقين لتقطع باليقينِ شكَّها واضطرابها ويؤكد لها أنها فعلاً تعرَّضت لسحرٍ أريدَ به تعطيل زواجِها، وهنا بدأت رحلتَها في تعطيل هذا السحر بالمداومة على قراءة الرقية والأذكار وأمور أخرى وصفها لها "الرَّاقي"..
قبل أن أستكمل عرضي لتلك القصص أودُّ أن أخبرَك شيئاً يا قارئي، فإني لا أسرد تلك القصص لأغرس ببدنك وسواساً يجعلك تشكّ بأن ألم رأسِك أو بطنِك أو تدهور معدَّلك الدراسي بعد تفوّقٍ أو أحلامك المزعجة سببُها سحرٌ، فهناك من يعلِّق مشاكله التي سبَّبَها جهلُه وقلةُ حيلتِه وعدم توكُّلِه على الله على شماعة السِّحر والحسد والعين وغيره!! وهذا ما لا أرجو حدوثَه..فلستُ هنا لأُخرِجَك ظانَّاً بأنك مسحور ..
مع هبوب الريح
ولكن، هل بإمكان أحدكم أن يتخيَّل أن يقوم شخصٌ بأذيَّةٍ أخيه بالسِّحرِ حتى الموت.. ما أهونَها لو كانت فعلةُ عدوٍّ أو غريب، ولكن أن يضرب أخٌ أخاه بسحرٍ يقتله.. إنها لفاجِعة! حتى وإن كُنَّا نُقِرُّ بأن الموتَ حقٌّ وقدرُه إن أتى لا يُؤَجَّل.. تبقى فاجعة..
نعم يا صاحِ.. لقد قُتِل أحدُهم مسحوراً، لستُ أُوقِن أن نية الفاعل كانت القتل، لكن شدَّة الأذى الذي أوقعه فيه ذاك الساحر جعل المسحور ينتهي إلى الأبد.. فالحسد كان ينهشُ عقلَه نظراً لما أعطى اللهُ أخاه من سعةٍ وخير..
فجأة.. ودون سابق توقُّع، أُلقِي هذا الرجل طريح الفراش، مريضاً غير قادرٍ على التحكَّم بأنفاسه.. ونُقِل للمشفى فلم يجد أحدهم سبباً لهذا الإعياء.. ويبقى على تلك الحال ما يقارب العشرين عاماً.. كلما هبَّت الرِّيح زاد مرضُه..
كان هذا الرجل صالحاً، لا يرافق غير التُّقاة، ومن بينهم أخبره شيخٌ تقيٌّ ومعالج بالقرآن أن مرضَه مرضٌ روحيٌ وليس بدنياً، لكنه أبى أن يستمع، فلم يلقِ بالاً لتلك الأحاديث وكان يُرجِع اعتماده على الله فقط.. حتى اشتدَّ به المرض وقُبِضَت روحُه بأمرٍ من الله..
حتى النساء لم تنجُ كذلك من هذا الأذى، فالساحر الذي أشرك بالله بسحره لا يفرق بين رجل أو امرأة أو حتى طفل أو جنين، فإحدى النساء والتي تعرضت للسحر تقول:"مذ تزوَّجت والكوابيس المرعبة تلاحقني.. رؤوس بشرٍ مقطَعة.. كلابٌ ضخمة.. أفاعي وأسود.. فئران، حتى أنني كنت أراها أحياناً وأنا مفتوحة العينين، فلم أنم يوماً إلا ودموعي تنهمر، إلى أن اكتشفتُ السرّ.. "
تُرى ما هو؟ لقد وجدت تلك السيدة في وسادتِها أقصوصةً من الورق مكتوبٌ عليها كلمات دقيقة للغاية وغير مفهومة، وهنا كُشِف السِّتارُ وبانت الحقيقة فليست تلك الحروب بينها وزوجِها إلا بسبب هذا السحر، كل الكوابيس المرعبة سببها تلك الأقصوصة الخبيثة..
ولكن من ذا الذي قام بوضعِها؟ أجابت:"أحد أفراد عائلة زوجي"، فلم تشأ أن تُبِح أكثر!
الأَسْوَدُ الضخم يخنقها!
أما عن تلك الأخرى، الصبية في الثاني والعشرين من عمرِها فقد وصل بها السحر أن تستيقظ من نومِها صارخةً من ثقل رجلٍ ضخمٍ أسود يضغط على جسدِها ليقطع أنفاسها تارةً وأخرى يضغط على فمِها ليطحن أسنانَها، فتفيق هلِعةً وتتفل من أثر الضغط من فمِها لتجد فعلاً أن شيئاً أشبه بالبودرة البيضاء يخرج من فمِها، ولم يُِشفِها اللهُ إلا بعد أن واصلت على قراءة الرُّقى والدهان بالزيت المقروء عليه آيات الله تعالى مراراً وتكراراً.
لو كنت برفقتي يا صاحبي وأنا أبحث عن أولئك الذين تعرضوا للسحر لوجدتَ أنَّ الصبايا حظَيْنَ بنسبةٍ ليست قليلة من أذى السَّحرة، والأسوأ من هذا أن أكثر الناس الذين يلجؤون لطريق الخُبثِ و السحرة في أذية الناس هم "الأقارب" حسب ظن كلّ من قابلتهم، وللأسف إنهم نساءٌ كبيرات وأُمِّيات.. بالمقابل تجدهن يؤدين العبادات لله ويسبحن كثيراً ويتعاملن بلطفٍ مع الجميع، وعندما تراهنَّ تستبعد نهائياً أن هؤلاء هن من يلجأن للسحرة للإضرار بك.. (وهذا لا ينفي أن يكُنَّ على علمٍ أو يكونوا رجالاً).
وأظن أن أولئك لو كانوا على علمٍ بما يفعلون وعلى يقين بحرمة ذلك وبمدى الأذية التي يلحقونه بالآخرين فلا بد لأولئك من ردعٍ قاسٍ في الدنيا قبل الآخرة من أجل كفِّ أذاهم عن الخلق.
حتى وإن كانوا جَهَلَة، فهل نترك الحبل على غارب الجهل ونتركهم بين هذا وتلك ويحرمن فلانة من الزواج ويُمرضن فلاناً آخر ويتلاعبن بحياة الكثيرين ليقلبن حياتهم إلى جحيم؟! أعتقد أنه لابد من توجيهِهم وردِّهم للدِّين، وعقابهم إن أصرُّوا.. وهذا ما أوضحه محاضر العقيدة في جامعة الأقصى الأستاذ طلعت المجدلاوي.
حدُّه السيف
يقول المجدلاوي في أولئك الذين يذهبون للسحرة من أجل أذية الناس:"إن الذهاب للسحرة من أجل ربط الآخرين وإيذائهم لهو فعلٌ من أفعال اليهود، فقد ذهب اليهود إلى ساحرةٍ واستعانوا بها في سحر النبي عليه الصلاة والسلام، كذلك فإن فيه ظلماً واضحاً لأن الذي يستعين بالسحر وهو "الكُفر" استخدم وسيلةً كفرية في إيذاء المسلمين.
وأضاف: "الفعل الذي فعله باستعانته بالساحر هو فعلٌ كُفريٌّ، وحدُّ الساحر هو القتل لأن الساحر كافر، أما من ذهب للساحر من أجل أذية الآخرين بالسحر فهناك موانع تدفعنا للوقوف قبل الحكم عليه بالكفر، وتلك الموانع هي:"الخطأ والجهل والنسيان والإكراه والتأويل" فمن خلا من هذه الموانع الخمسة وذهب للساحر فإنه كافر كالساحر وحدُّه القتل".
وكلي أملٌ أن يكون حدُّ "القتل" كفيلاً بإعادة الضالين لدينِهم وإيقاف ما حرَّمه الله من أذية للناس.
القاذورات مرتعٌ للسَّحرة
وتفسيراً لكثيرٍ من الأمور عن السِّحر، وبعد استقصاءٍ واسعٍ حول المعالجين بالقرآن الموثوق بهم، توصَّلتُ إلى أحد المعالجين الرَّاقين والذي يقطن في "معسكر جباليا"، لكنه ما فضَّل الكشف عن اسمِه، فكانت رغبتُه..
يقول هذا الرَّاقي :"إن السّاحر إذا ما قرَّر أن يؤذي شخصاً ما استخدم كل ما هو قذر من أجل الحصول على مرادِه، ومن بينها "زنخ" السَّمك أو دم الحيض أو حتى مني الرجل "عافانا الله" وغيرها.."
ويذكر هذا المُعالج علاماتٍ تميز الشخص المسحور "المريض روحياً" عن غيره متمثلةً في آلام في البطن وفقدان للشهية وضعف عام وهزال في البدن وضيق في النَّفس وآلام أسفل الظهر وتزايد في نبضات القلب وغيرها، مؤكداً أن كل تلك الأعراض تصاحب المريض عضوياً ونفسياً أيضاً، ومن ثمَّ يجب على المريض أن يراجع الطبيب العضوي والنفسي قبل أي أحدٍ آخر، وهذا ما أوضحه الرّاقي.
وأضاف: "في فترة امتحانات الثانوية العامة يلجأ كثير من الفتيات والفتية للرّاقي وكل ظنهم أنهم تعرضوا لسحرٍ"، فما يكون منه إلا أن يطمئنهم ويؤكد لهم عدم تعرضهم لأي أذىً بل ليسوا بحاجةٍ إلا للراحة النفسية.
وبيَّن الرَّاقي "المُعالِج بقراءة الرُّقية" أن المسحور ضعيف الإيمان، غالباً، لا يشعر بألم على عكس قوي الإيمان الذي يشعر بالألم وبآثار السحر لأنه بقراءة القرآن الكريم وقربه لله تعالى يكون في عراك مع الجنّ وصراعٍ لإخماد مفعول السحر.
علامات السحر
ومن العلامات التي تكشف أن المريض تعرَّض لسحر، أن المريض روحياً إذا ما قُرِأَ عليه "آيات العذاب" ارتجف وأصيب بالضيق الشديد، وربما شعر بآلامٍ في بطنه أو رأسه أو غيرهما وقد يغيب عن الوعي، وقد يتلفظ بكلماتٍ لا معنى لها.. لكن هذا لا يحدث إلا في حالات السحر الشديدة حسب ما أوضح، مبيناً أن أصعب أنواع السحر هو السحر الطَّيار الذي يتم رشقه في الهواء.
لقد أوضح "الرَّاقي"أن المداومة على قراءة آيات القرآن الكريم حصنٌ منيع ووقايةٌ للمسلم من السحر ومن كل شر، وشفاءٌ أكيدٌ من السحر، بحيث يقرأ المريض آياتٍ منه على المياه التي يشربها والتي يغتسل بها، ليس هذا فحسب بل إن قراءة المريض الآيات الكريمة على زيت الزيتون ودهان جسده به أمرٌ فعال جداً، فالزيت مستخرجٌ من شجرةٍ مباركةٍ قال فيها الله سبحانه وتعالى:" اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ.."
وقد عرض لنا "الرَّاقي" بعضاً من السور والآيات التي يختارها المريض ليقرأها على نفسه وعلى الماء والزيت الذي يدهن به جسده وهي:"سورة الأعراف وآخر آيتين من سورة البقرة، وآية الكرسي وهي مهمة جداً، آخر آيات من سورة الحشر، والفاتحة والمعوذات، وآخر سورة "المؤمنون" وأول عشر آيات من سورة الصافات، وسورة الرعد".
مؤكداً أن كل آيات القرآن الكريم فيها الشفاء من كل داء بإذن الله تعالى، إضافةً إلى الدعاء:"اللهم يا ذا الجلال والإكرام سخِّر لنا جميع خلقك إنك على كل شيءٍ قدير".