التهدئة ... كيف يريدها الفلسطينيون ؟ و كيف تريدها إسرائيل ؟بقلم:عدنان ابو شبيكة
تاريخ النشر : 2005-04-24
كبر الخط صغر الخط
التهدئة .. . كيف يريدها الفلسطينيون ؟ و كيف تريدها إسرائيل ؟
عدنان ابو شبيكة
محاضر جامعي
تعددت وجهات النظر الفلسطينية حول ضرورة التجاوب مع الأفكار التي تتعلق بوقف المواجهات بأشكالها المختلفة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية ، فالسلطة الفلسطينية و بفعل الضغوطات الدولية و الأمريكية المستمرة ، و بسبب المتغيرات الدولية التي تميل كلها لصالح إسرائيل رأت في أن التوصل لتهدئة ربما يسهم في تحريك الملف السياسي المجمد و البدء في مفاوضات حول الوضع النهائي خصوصا و أن الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل و أطراف دولية عديدة اعتبروا بأن أمر الدخول في مفاوضات سياسية تمهيدا لتطبيق ما جاء في خارطة الطريق لا يمكن أن يتم إلا إذا توفرت الظروف و المناخات الملائمة أهمها و أولها وقف ما أسموه " بالعنف و الإرهاب " في الأراضي الفلسطينية ، كما رأت السلطة في التهدئة وقف لمزيد من الخسائر الاقتصادية الفلسطينية بسبب تجريف الأراضي الزراعية و هدم المباني و الحصار الإسرائيلي المستمر ، أما الفصائل الفلسطينية الوطنية و الإسلامية فبعد نقاشات و حوارات داخل مؤسساتها و هياكلها التنظيمية و بعد حوارات و نقاشات مع قيادة السلطة الفلسطينية برعاية مصرية استجابت لاقتراح التهدئة أو الهدنة لدواعي عدة منها التأكيد من خلال فترة التهدئة على أن إسرائيل لا نية حقيقية لديها للاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين ، كما رأت الفصائل بضرورة الحفاظ على وحدة و قوة الصف الداخلي الفلسطيني و هذا يعني الوصول لتوافق فلسطيني على قاعدة الحد الأدنى من الرؤى و المواقف ووجهات النظر ، ومنهم من رأى فيها استراحة محارب .
استجابت الفصائل الفلسطينية ووافقت من خلال إعلان القاهرة في شهر مارس 2005 م على تهدئة مشروطة لمدة عام ، تهدئة بثمن و ليست بالمجان كما قالت الفصائل الفلسطينية ، لذلك فقد اشترطت مجموعة من الشروط كان منها معالجة قضية الأسرى و المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي من خلال العمل و السعي على إطلاق سراحهم دون تمييز أو تفريق ، و شريطة أن يوقف جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقالاته و اجتياحا ته لمدن و قري و مخيمات الضفة و قطاع غزة .
إن نجاح قيادة السلطة الفلسطينية في إقناع الفصائل الفلسطينية بالتوصل لتهدئة
و فق الشروط و المطالب التي تم الاتفاق عليها لا يمكن أن يتجسد بشكل حقيقي إلا إذا توفرت " نية حقيقية " لدى إسرائيل لإنجاحها من خلال تهيئة الأجواء لذلك ، لكن واقع الحال على الأرض يوحي بغير ذلك ، فمثلا في موضوع الأسرى لم تفرج إسرائيل إلا عن عدد قليل من الذين صدرت بحقهم أحكام قصيرة ، أو الذين أوشكوا على إنهاء فترة اعتقالهم ، أما الأسرى و المعتقلين الذين صدر بحقهم أحكام بالمؤبد أو المؤبدات أو مدى الحياة و الذين تسميهم إسرائيل "بأن أياديهم ملطخة بدماء الإسرائيليين " فلا تغير طرأ أو قد يطرأ علي الموقف الإسرائيلي ، و فيما يخص أمر الاعتقالات و الاجتياحات فالقوات الإسرائيلية المحتلة من آن لآخر تدخل و تجتاح بعض مدن و قرى و مخيمات الضفة بحجة إحباط محاولات لعمليات محتملة ضدها و من ذلك ما حدث بنابلس في الحادي عشر من أبريل من اعتقال لعدد من الفلسطينيين ، و ما حدث من دمار و تخريب لبعض المنازل فيها ، أما استهداف الفلسطينيين جسديا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي فلم يتوقف و الشاهد على ذلك استشهاد ثلاثة فتية برفح في التاسع من شهر أبريل ، و استشهاد أحد كوادر كتائب شهداء الأقصى في بلاطة بتاريخ الرابع عشر من أبريل ، كما أن عودة تمركز و تموضع القوات الإسرائيلية إلى الحالة التي كانت عليها قبل اندلاع انتفاضة الأقصى لم يتحقق منه سوى انسحاب شكلي من أريحا التي لم يكن بداخلها تواجد عسكري إسرائيلي حقيقي .
أمام ذلك الواقع و تلك الخروقات الإسرائيلية للتهدئة في الضفة و قطاع غزة يبرز تساؤلا مفاده : إلى أي حد مهتمة و معنية إسرائيل بأمر التهدئة التي توصلت إليها القيادة الفلسطينية مع الفصائل الفلسطينية الوطنية و الإسلامية ؟ و كيف تريد إسرائيل للتهدئة أن تكون ؟
أولا : تنظر إسرائيل للتهدئة على أنها مطلبا فلسطينيا بالدرجة الأولى ساهمت الضغوط و الظروف الدولية و القدرة العسكرية الإسرائيلية لجيشها المحتل على إجبار السلطة و الفصائل الفلسطينية للتوصل إليها ، لذلك فهي تتعامل بشيىء من عدم الجدية و الخروقات الإسرائيلية من آن لآخر شاهد على ذلك .
ثانيا : السلطة الفلسطينية تنظر للتهدئة على أنها ربما تسهم في دفع العملية السياسية و التفاوضية للامام و ربما تحد من الضغوط الدولية و الأمريكية عليها ، بينما تنظر إسرائيل للتهدئة من منظور أمني بحت يهدف إلى تدمير ما تسميه " تدمير البنية التحتية للإرهاب الفلسطيني " ، لذلك فهي ’تقدم من وقت لآخر على استفزاز الفصائل الفلسطينية التي سترد على خروقاتها وعندها تصر إسرائيل و تكرر مواقفها من المقاومة الفلسطينية و سلاحها ولتستمر في مطالبتها للسلطة الفلسطينية بوجوب اتخاذ إجراءات بحق فصائل المقاومة و هذا من شأنه أن يجعلها تضع المبررات للتنصل من الإيفاء بأي استحقاق سياسي للفلسطينيين، وإسرائيل تدرك كما المجتمع الدولي و الولايات المتحدة الأمريكية على أن إقدام السلطة الفلسطينية باتخاذ أي إجراء تجاه الفصائل الفلسطينية هو أمر غاية في التعقيد و الصعوبة لاعتبارات تفهمها السلطة الفلسطينية، منها عدم الثقة في أن إسرائيل يمكن أن تتراجع عن مواقفها السياسية تجاه الاستحقاقات المترتبة عليها بموجب القرارات الدولية، إضافة إلى أن فصائل المقاومة الفلسطينية قدمت تضحيات كبيرة خلال انتفاضة الأقصى مما نتج عنه شعبية لها أوسع في الشارع الفلسطيني الذي يرفض العودة إلى الوراء ، ثم حرص السلطة الفلسطينية و الفصائل الفلسطينية على عدم الدخول في مواجهة سيكون المستفيد الوحيد منها ا إسرائيل و الخاسر الوحيد فيها الشعب الفلسطيني .
ثالثا : لن يطرأ على الأقل في الأمد القريب أي تغير على موقف إسرائيل من قضية الأسرى و المعتقلين من ذوي الأحكام العالية ، فلا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل المتغيرات الدولية التي تميل لصالحها لتتنازل عن تلك القضية بسهولة دون ثمن سياسي يدفعة الجانب الفلسطيني ، فربما تساوم فيها على حساب قضايا أخرى خلال مفاوضات الحل النهائي – إن جرت – مع السلطة الفلسطينية ، لذلك فإن إسرائيل ربما تقوم ببعض الإجراءات الشكلية غير الجوهرية من آن لآخر كإزالة حاجز مثلا للإبقاء على الحالة الراهنة و المناخ السائد أي انخفاض مستوى المواجهة مع الفلسطينيين عن الفترة التي سبقت التهدئة مع بعض الاستفزازات و الخروقات لإثارة فصائل المقاومة الفلسطينية على الرد ، وفي ظل هذه الأجواء التي سادت بعد التهدئة تضمن إسرائيل خروج قواتها من قطاع غزة و شمال الضفة الغربية بحسب خطتها الأحادية للانفصال عن الفلسطينيين دون إطلاق نار فلسطيني وبذلك لا يظهر الفلسطينيون و كأنهم حققوا نصرا عسكريا على إسرائيل التي تتباهى و تفتخر دوما بقوة جيشها ، و هي بذلك لا تريد أن تكرر تجربة الانسحاب المذلة من جنوب لبنان .