[size=24]
وقد تم بناء قوسُ تاريخي، يُسمى مَشْهَدَ مُؤْتَة، وهو بقايا مسجدٍ قديم، فوقَ المكان الذي استُشهد فيه جعفرُ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه، في معركةِ مؤتةَ الشهيرة في السنة الثامنة للهجرة. وهذا المشهد أُقيم في عصرِ المماليك، الذين كانوا حريصين على إحياء أيِّ شاهدٍ يرمُزُ إلى البطولةِ والتضحية، وحول المشهد الذي هُدِمَ بفعل الزلازل، وقعتْ معركةُ مؤتةَ التي استشهد فيها ثلاثةٌ من أكبرِ القادة المسلمين في أولِ مواجهةٍ مع الروم، ومعَهَم عددٌ من الصحابة الكرام.
معركة مؤتة
سببُ هذه المعركة أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعثَ الحارثَ بنَ عُمَيْر الأزْدي برسالةٍ إلى ملكِ بُصْرَي، فعَرَضَ له شُرَحْبِيل بنُ عَمروٍ الغساني ـ وكان والياً على مؤاب، تابعاً للقيصر الروماني ـ فأوْثَقه ثم قَتَلَه. وكان قتلُ السفراءِ والرسلِ من أشنعِ الجرائم، والسكوتُ عليه علامةُ ضعفٍ لا يقبَلُها أَحد.
وحين نُقِلَ الخبرُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم جَهَّز جيشاً قوامه ثلاثةُ آلاف مقاتل، لمعاقبة مرتكبي هذه الجريمة، وجعل قيادَته لزيدِ بنِ حارثة، وأوصاهم إنْ قُتِلَ زيدٌ أنْ يتولى قيادةَ الجيش جعفرُ بنُ أبي طالب، فإن قُتل فعبدُ الله بنُ رَواحة.
تحرك جيشُ المسلمين، في اتجاه الشمال حتى نزل مَعَان جنوبَ الأردن، وحينئذ بلغهم أن هِرَقل ملكَ الروم، حَشَدَ نحوَ مائةِ ألفٍ من قواته في منطقة مُؤاب، وانضم إليهم مقاتلون من قبائلَ عربية وَصَلَ عددُهم إلى نحو مائة ألف. وتشاور قادةُ الجيش في هذا الأمر، فقد فوجئوا بهذه الحشود الرومانية الضخمة، واستقر رأيهم على المواجهة، مهما كانت التضحيات.
يقول نادر طه: إستلم الراية زيد بن حارثة رضي الله عنه إلى أن إستشهد فتولى القيادة من بعده جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه والذي قطعت يمينه فابتدر الراية بيساره ثم قطعت يساره فحمل الراية في عضديه إلى أن استشهد وأخبر الرسول (ص) أن الله أبدله يديه جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء وعرف بعد ذلك بجعفر الطيار رضي الله عنه ثم إستلم الراية من بعده عبد الله بن رواحة ليستشهد رضي الله عنه.
بعد مقتل القادة الثلاثة تم الاتفاق على تسليم القيادةِ لخالدِ بنِ الوليد، فأعادَ تنظيم الجيش، ولجأ إلى مكيدةٍ حربية تُلقي الرعبَ في قلوب الروم، حتى ينجحَ في انسحاب المسلمين بأقلِّ قَدْرٍ من الخسائر.
كانت هذه المعركة أولَ مواجهةٍ مع الروم، وتُشكِّل تمهيداً لما بعدها من الفتوحات كما أنها أولُ مواجهةٍ عسكرية يُشاركُ فيها جعفرُ بن أبي طالب، فقد أمضى أربع عشرةَ سنةً في الحبشة، منذ أن هاجر إليها في السنة الخامسة للبعثة النبوية مع مجموعة من المسلمين.
تولى جعفرُ بنُ أبي طالب قيادةَ المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، بعدما اشتد أذى قريشٍ لأتباع الرسولِ صلى الله عليه وسلم. وقد تمتْ هذه الهجرةُ بحراً عن طريقِ ميناءٍ يُسمى الشُعَيْبة.
في الحبشة
في الحبشة برزتْ حكمةُ جعفر، وبخاصةٍ في مواجهةِ مبعوثِ قريشٍ عمروِ بنِ العاص، وكان هدفُه إقناعَ النجاشي ملكِ الحبشة، بأنْ يرفُضَ استقبالَ المسلمين المهاجرين.
لم يقتصرْ دورُ جعفرِ بنِ أبي طالب في الحبشة في التأثير على ملكِها النجاشي، الذي أكدت الرواياتُ أنه أسلم، وصلى عليه الرسولُ صلاةَ الغائب عندما علم بوفاته.
خلال الأربعةَ عشرَ عاماً التي أمضاها جعفرُ بنُ أبي طالب في الحبشة أسلم على يديه عددٌ من أهلها.
وبعد بضعةِ أشهرٍ من عودة جعفرٍ إلى المدينة، أرسلَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليشارك في قيادة معركة مؤتة، التي أبلى فيها بلاء عظيما.
دُفِنَ جعفرُ بنُ أبي طالب رضي الله عنه مع شهداءِ مؤتةَ إلى الشرقِ من موقع المعركة بنحو خمسةِ كيلومترات، وعُرفت المنطقة التي تَضُمُّ شهداءَ المعركة بالمزار، لوجود مراقدِ ومزارات أولئك الشهداء فيها.
مقاماتُ شهداءِ مؤتة بُنيت في العهدِ المملوكي، وتم ترميمُها وتجديدُها في العصور اللاحقة. وجرى أحْدَثُ تجديدٍ لها في العصر الحديث، في إطار اهتمامِ الدولةِ الأردنية بهذه المقامات، التي تحتضن أضرحةَ الصحابة الأجِلاّء جعفرِ بنِ أبي طالب وعبدِ الله بنِ رواحة وزيدِ بنِ حارثة الذين قادوا معركةَ مؤته.
كان حزنُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شديدا عندما بلَغَه نبأُ استشهاد جعفرٍ ورفاقِه في معركة مؤتة، حتى قالَ يومَها (على جعفرٍ فلتبْك البواكي)، كما تجلَّى هذا الحبُّ في عَطْفِه صلى الله عليه وسلم وحُنُوِّهِ على أبناءِ جعفرٍ مِن بَعْدِه.[/size]
موضوع: جعفر الطيار.. رفض التخلي عن راية الإسلام رغم قطع يديه 
الجمعة مارس 04, 2011 3:18 pm
